العلاقة بين السلط في النظام المغربي
أن الفصل بين السلط يختلف باختلاف المعطيات الثقافية والاجتماعية و
الاقتصادية والتاريخية لكل نظام سياسي على حدة. فكل هده الاعتبارات تساهم
بشكل مباشر في تحديد "شكل الحكم القائم في كل دولة وعلى ضوئه يتم تقسيم
السلطات تقسيما يكفل التوازن والتعاون المشترك للسلط أو تقسيما يرفض التحكم
و الهيمنة وتداخل السلط".
فالنظام الرئاسي مثلا نجده يعتمد "على الفصل
المطلق بين السلط، ودلك بتحقيق استقلال بعضها عن بعض"2، مع أن هناك بعض
الاستثناءات التي تخلق نوعا من التوازن والمساواة بينها ويحدد "جورج بوردو"
الشروط النظرية لهدا النظام في التالي : انتخاب رئيس الدولة من قبل الشعب
واختلاط صفتي رئيس الدولة والحكومة في شخصه، ثم عدم مسؤولية الوزارة أمام
البرلمان3.
بخلاف النظام البرلماني الذي يعتمد "على الفصل والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع الرقابة المتبادلة بينهما.
وفي هده الدراسة سنحاول تسليط الضوء على
طبيعة العلاقة بين السلط في ظل النظام الدستوري المغربي، وبالتحديد
العلاقة بين المؤسسة الملكية ومؤسسة الحكومة و مؤسسة البرلمان.ودلك
من خلال الانطلاق من مجموعة من الأسئلة التي اشتغل عليها مجموعة من
الفقهاء والباحثين الدستوريين، مع إضافة أسئلة أخرى ارتأينا أن لها موضعا
مشروعا بين تلابيب ذات الإشكال. خصوصا بعد التطورات الدستورية التي أتت بها
دساتير 1992/1996.
فما هي حدود التداخل الحاصل بين المؤسسة الملكية و الحكومة والبرلمان؟ ما هي السلطة التي لها الرجحان والتفوق في ذات العلاقة؟
هل
حقا أقرت دساتير 1992/1996 توازنا بين السلط؟ هل التغييرات التي طرأت على
الفصل 24 من الدستور أدت حقا إلى تقوية مكانة الوزير الأول ودوره داخل
السلطة التنفيذية؟ ما مدى مسؤولية الحكومة في تحديد السياسة العامة للبلاد؟
هل الوزير الأول يعتبر رئيسا للوزراء بحكم مسؤوليته؟ أم يعد الأول بين
الوزراء و أين تتجلى ميزة تفوقه على باقي الوزراء؟
ما مدى تبعية
البرلمان للمؤسسة الملكية من خلال إصدار القوانين وطلب قراءة جديدة؟ ما
المكانة التي يكتسيها الخطاب الملكي الموجه إلى البرلمان على رأس كل دورة
برلمانية؟ ما محدودية سلطات المؤسسة الملكية في حل البرلمان؟ إلى أي مدى
يمكننا الحديث عن توازن للسلط في بلد يوجد على رأس جهازه التنفيذي خليفة
(أمير المؤمنين) يسمو على باقي الأجهزة الدستورية الأخرى؟ ألا يمكن للفصل
19 أن يعفيني من النقاش حول العلاقة بين المؤسسة الملكية والحكومة
والبرلمان ؟ باعتباره نص ينص مبدئيا على سمو المؤسسة الملكية على باقي
المؤسسات الأخرى؟.
ــ إذن الإجابة عن هده الأسئلة ستكون غير دي معنى،
إدا لام نقم مبدئيا بموقعة المؤسسة الملكية داخل النسق الدستوري المغربي.
ودلك بالأساس من خلال الفصل 19 وباقي الفصول التي تصب في محتواه.
فهدا
الأخير الذي يجعل الملك من خلال حقل إمارة المؤمنين في المرتبة الثالثة
بعد الله والرسول و قد أكد دلك الحسن الثاني غير ما مرة في العديد من خطبه
عندما قال لفظا لا معنى "إنني كخليفة أستمد سلطتي مباشرة من الله والرسول
وليس من الدستور"، وحتى على مستوى التوازن بين السلط فلا يمكن تحقيقه على
مستوى المؤسسة الملكية كما أكد دلك الراحل مرة أخرى في إحدى خطاباته "إدا
كان هناك فصل للسلطات، فإنه لا ينطبق على مستوانا، بل على المستوى
الأدنى"5.
ورغم التعديلات الدستورية التي أتت بها دساتير 1992/1996 على
مستوى المؤسسات السياسية، تم الاحتفاظ بوضعية المؤسسة الملكية كملكية حاكمة
يسود فيها الملك ويحكم ولا وجود لفصل السلط على مستواه. بل إن كل السلط
تنبثق منها وهي لا تقوم بتفويتها بل تفوضها.
أما بعد ما خلصنا غليه من
خلال النقطة الأخيرة، يمكن القول افتراضا لا جزما بأن المكانة التي كفلها
الفصل 19 وباقي الفصول الأخرى التي عالجت اختصاصات الملك، وعززتها الممارسة
السياسية ما قبل دستور 1992. حافظت المؤسسة الملكية على الاختصاصات ذاتها
التي كرستها دساتير 1992/1996. سواء على مستوى علاقة الملك بالحكومة و
المتمثلة أساسا في (تعيين الحكومة وإعفائها من مهامها ف24 ـ تحديد السياسة
العامة للبلاد ورئاسة المجلس الوزاري ف25 ـ التعيين في الوظائف المدنية
والعسكرية ف30 ـ بالإضافة إلى السلطات الدبلوماسية الواسعة للملك ف31 ).
أو
على صعيد علاقته بالبرلمان و المتمثلة بالأساس في (إصدار الأمر بتنفيذ
القانون ف26 ـ الحق في طلب قراءة جديدة لمشروع أو اقتراح قانون ف67 ـ
مخاطبة البرلمان ف40 ـ الحلول محل البرلمان أثناء حل هدا الأخير أو خلال
المرور بالفترة الانتقالية).
فاستشكالا واعتبارا وتوسيما سنحاول معالجة هدا الموضوع من خلال مبحثين مركزيين :
المبحت الاول :علاقة الملك بالحكومةيمكن
التمييز فيما يرجع للعلاقة بين الملك والحكومة في النظام الدستوري المغربي
خاصة بما يتعلق بتعيين الوزير الأول والحكومة، مابين مرحلتين دستوريتن
متغايرتين، الأولى تمتد طيلة سريان دساتير 1962ـ1970ـ1972، والثانية بدأت
من دستور 1992 ولا تزال سارية النفاد في ظل الدستور الحالي لسنة 1996.
فأما
ما يتعلق بالمرحلة الأولى فقد كان الملك يتمتع بصلاحية واسعة من الناحية
الدستورية فيما يرجع لتعيين الوزير الأول وباقي الوزراء.
أما المرحلة
الثانية التي انتهت بنهاية دستور 1972، بدأت مع دستور 1992 حيث تغير الوضع
في إطارها، جراء تنازل الملك عن سلطاته المطلقة في مجال تعيين أعضاء الفريق
الحكومي الذي لا يكون إلا باقتراح من الوزير الأول.
فإلى أي حد تتجلى سلطة الملك في تعيين الحكومة؟ وأين تتجلى مسؤولية وتبعية الحكومة للملك؟
الإجابة
عن هدين السؤالين تستدعي منا مقاربتين من مستويين إثنين مستوى قانوني ثم
مستوى سياسي . أما فيما يتعلق بالمستوى الأول فبرجوعنا لصك دستور 2006 نجد
أن الفصل 24 ينص على " يعين الملك الوزير الأول. ويعين باقي أعضاء الحكومة
باقتراح من الوزير الأول. وله أن يعفيهم من مهامهم. ويعفي الحكومة بمبادرة
منه أوبناء على استقالتها". وبالتالي فقراءتنا التجزيئية لهدا النص توحي
إلى فكرة واحدة وهي أن للملك الصلاحية المطلقة في تعيين الوزير الأول مع
أفضلية الإقتراح التي تترك للوزير الأول فيما يرجع لتعيين باقي أعضاء
الحكومة، لكن تبقى الصلاحية التامة للملك في إعفاء الحكومة أو أحد أعضائها
بدون قيد أو شرط. هده القراءة التبسيطية لدات النص تجعلنا نستشف أن صاحب
سدة الرئاسة بالبلاد يحتكر حق تعيين الحكومة بدون قيد أو شرط فالملك يبقى
صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تعيين الوزير الأول وبالتالي باقي الوزراء
باقتراح من هدا الأخير، ولا يكون الملك مقيد في تسمية الوزير الأول من هدا
الجانب أو داك فهو وضميره وهو وحنكته الحاسم في هدا الإختيار. بيد أنه
بإعمال العقل وسبرنا لأغوار الدستور بأكمله جملة وتفصيلا، وبقراءتنا للفصل
24 على ضوء الدستور بأكمله سوف نخلص إلى أن هناك نص وثيق الصلة بالفصل 24،
في حالة ربطه بهدا الأخير سوف يؤدي بنا الفهم إلى استنتاج خلاصات وحقائق
أخرى فيما يتعلق بتعيين الحكومة. والفصل هو ف 60 الدي يقول منطوقه "
الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام البرلمان. يتقدم الوزير الأول أمام كل من
مجلسي البرلمان بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة ويعرض البرنامج الدي يعتزم
تطبيقه، ويجب أن يتضمن هدا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الدي تنوي
الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني وبالأخص في ميادين
السياسة الإقتصادية و الإجتماعية والثقافية والخارجية. ويكون البرنامج
المشار إليه أعلاه موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين ويتلو مناقشته في مجلس
النواب تصويت يجب أن يقع وفق الشروط المنصوص عليها في الفقرتين الثانية
والثالثة من الفصل 75 ويترتب عليه الأثر المشار إليه في الفقرة الأخيرة
منه" وتنص الفقرة الأخيرة من الفصل 75 على "يؤدي سحب الثقة إلى استقالة
الحكومة استقالة جماعية".
وبالتالي في حالة عدم موافقة مجلس النواب
بالأغلبية المطلقة للأعضاء الدين يتألف منهم تسحب الثقة من الحكومة، الأمر
الدي يستدعي تقديم استقالتها الجماعية أمام الملك. مما يؤكد بادليل الملموس
أن فرضية التعيين الأحادي للحكومة هي فرضية لاغية أمام حجية وبرهانية النص
الستون، و من يقول غير دلك يعجز على أن يعطي تفسير دقيق وموضوعي لمنطوق
دات الفصل الدي والحال هده لم يوجد عبثا ولم يوضع افتراءا بل مغزاه واضح
لكل مبتغ لدلالته.
هدا فيما يرجع للمستوى الأول للمقاربة التي
اعتمدناها من أجل ملامسة اشكالية التعين الحكومي وهي مقاربة على كل حال سوف
نحاول أن نستعين بها في كل سيأتي من محاور، وهده المقاربة بالأساس سوف
نسترشد من خلالها بالأدوات المنهجية المتبعة في التحليل السياسي وبالدرجة
الأولى أدوات العلوم السياسية وعلم الإجتماع السياسي، من أجل تبين علمي
وموضوعي لدات الإشكال بعيد كل البعد عن المزايدات الأيديولوجية ولا
التعليقات الصحفية التي في الغالب الأعم تؤدي إلى فقدان المغزى والمعنى
الحقيقي للأشياء خصوصا في مثل الإشكال الدي نحن بصدده.وهكدا فوجاهة
الاعتراض على رأي من الأراء التي تبتعد عن التحليل الموضوعي لا يعني
بالضرورة فساد هدا الرأي ومخالفته الحقيقة بل تعني فقط وجود أكثر من
إمكانية واحدة لتشييد معقولية الموضوع المختلف فيه.
فنحن عندما نتتبع
تاريخ الحياة السياسية المغربية مند الاستقلال إلى اليوم نخلص إلى نتائج
جمة على رأسها أن مسألة تعيين الحكومة كانت دائما حكرا على ملك البلاد، ولم
يكن هناك لا شرط ولا قيد في هدا التعيين يجعل الملك ملزما بإختيار الوزير
الأول لا من هدا الحزب أوداك ولا من الأغلبية ولا الأقلية البرلمانية.
لدرجة أن التعيين كان دوما وفي الغالب الأعم من وسط التقنوقراط إدا استثنيا
ما سمي "بحكومة التناوب" التي كان الكل يأمل في أن يتبلور عرف دستوري يجعل
الملك يختار الوزير الأول من الأغلبية البرلمانية، الشيء الدي لم يتحقق
بعد تعيين "أدريس جطو" ـ وهو من عائلة التقنوقراط ـ على رأس الحكومة التي
خلفت حكومة اليوسفي.
لكن السؤال الدي يفرض نفسه هنا ألم يكن من حق أحزاب
الأغلبية البرلمانية أن تعترض على تعيين السيد إدريس جطو الدي لا ينتمي
لأي خزب من هده الأغلبية؟ بطبيعة الحال الجواب سيكون بالإيجاب، لأن الفصل
60 واضح في هدا الباب كما سبق أن بينا، فهو يخول للأغلبية البرلمانية أن
تسحب الثقة من الحكومة المعينة من طرف الملك في حالة التصويت بالأغلبية
المطلقة لمجلس النواب على هدا السحب. ولم يكن لأحد الحق في الاعتراض على
هدا الحق الدي يخولها لها الدستور جملة وتفصيلا ووضوحا. ولم يكن لجلالة
الملك آنداك إلا أن يمتثل لإرادة الأغلبية وبالتالي إعادة النظر في
إختياراته بالشكل الدي يرضي هده الأغلبية. الشيء الدي لم يتحقق حيث رضت
معظم أحزاب الأغلبية بأن تشارك في خكومة يترأسها تقنوقراطي هدا بطبيعة
الحال يدخل في طبيعة الاستراتيجيات التي تنهجها هده الأحزاب وفي رؤيتها
للأوضاع السياسية وبالتالي عدم استخدام المسطرة التي ينص عليها الفصل
60ربطا مع الفصل 75.
وبالتالي نخلص إلى نتيجة واحدة تتلخص في أن الملك
وفق مقتضيات دستور 1996 هو غير مطلق الصلاحية فيما يرجع لتعيين الحكومة،
فهناك تدخل برلماني ينص عليه منطوق الفصل 60 الدي يقضي بأن الحكومة ملزمة
أن تعرض برنامجها الدي تعتزم تطبيقه أمام البرلمان الدي تبقى له الكلمة في
قبول هدا البرنامج أو رفضه وفي هده الحالة الأخيرة تكون الحكومة ملزمة
بالتنحي وتقديم استقالتها الشي الدي لم تنص عليه الدساتير السابقة على
دستور 1992 . بيد أن الممارسة السياسية والواقع السياسي بكل ما يحمله من
تناقضات لا زال يقر بأن للملك كافة الصلاحية في تعيين الوزير الأول من أي
جهة يرتضيها نعم هدا صحيح والفصل 24 يضمن دلك لكن إدا فعلنا مقتضيات
الدستور من خلال روحه ككل فهناك ترابط تام بين هدا النص الأخير و الفصل 60
الدي إدا فعلت جل فقراته سيكون من حق الأغلبية البرلمانية أن تؤثر من جهتها
في شكل الإختيارات الملكية وفي هده الحالة مقتضيات هدا الفصل الأخير لا
رجعة فيها.
بعد هدا الاستطراد في مسألة التعيين الحكومي سنحاول من خلال
هده الفقرة أن ننتقل إلى وجه آخر في علاقة الملك بالحكومة داخل النظام
السياسي المغربي. الأمر يتعلق برئاسة المجلس الوزاري وتحديد السياسة العامة
للبلاد. فإدا كان الجهاز التنفيدي لأي بلد يكون هو المسؤول الأول في السهر
على تدبير شؤون البلاد والعباد، وكدى تحديد السياسة العامة التي تعتزم هده
الأخيرة اتباعها من أجل تحقيق الصالح العام وفق مالتزم به أمام الشعب.
وفي
حالة النظام السياسي المغربي كما لاحظنا من سياق الكلام حول تعيين
الحكومةن بأن الحكومة ملزمة وفق الفصل 60 أن تتقدم أمام البرلمان ببرنامجها
التي تعتزم تطبيقه والدي في الغالب الأعم هو بمثابة أجندة تهم مختلف
الإختيارات الحكومية على كافة المستويات الإقتصادية والاجتماعية
والدبلوماسية والثقافية والسياسية ككل. مما يدفعنا بكل ثقل للتسأل حول مدى
سلطة الحكومة في النسق الدستوري والسياسي المغربي في تطبيق اختياراتها
وبرامجها خصوصا إدا علمنا أنها مراقبة من طرف البرلمان من أجل حسن تطبيق
التزاماتها أمامها و أما الشعب؟
لا جرم أن هدا التساؤل يفرض علينا
الرجوع إلى المقتضيات الدستورية المتعلقة بهدا الباب والنظر إليها من داخل
روح الدستور كلحمة متكاملة. وهكدا نجد منطوق الفصل 25 ينص على أن الملك
يرأس المجلس الوزاري، والمجلس الوزاري يتألف من الحكومة وعلى رأسها الملك.
ثم لنحاول أن نتناول هدا الفصل بالتحليل والدرس من خلال ربطه بالفصل 66
الدي يقضي على ما يلي:
"تحال على المجلس الوزاري المسائل الآتية قبل البث فيها:
ـ القضايا التي تهم السياسة العامة للبلاد.
ـ الإعلان عن حالة الحصار.
ـ إشهار الحرب.
ـ طلب الثقة من مجلس النواب قصد مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها.
ـ مشاريع القوانين قبل إيداعها بمكتب أي من مجلسي البرلمان:
ـ المراسيم التنظيمية.
ـ المراسيم المشار إليها في الفصول 40 و 41 و 45 و 55 من هدا الدستور.
ـ مشروع مراجعة الدستور."
فبقليل
من التمحيص في جوهر هدين الفصلين نخلص إلى أن الحكومة لا يمكن لها أن تقدم
على أي مبادرة سياسية أواقتصادية أوالجتماعية أوثقافية ـ القضايا التي تهم
السياسة العامة للدولة ف 66 ـ، ، إلا بعد عرضها ومداولتها بالمجلس الوزاري
الدي يترأسه الملك، والحكومة التي تكون معينة من طرف جلالته ليس بقليل من
التكهن تكون ملزمة بالرضوخ إلى توجيهات الملك و إلى قراراته كما يوحي النص
الدستوري، وما على الحكومة تنفيد القرارات التي تصدر بصدد دلك دون قيد أو
شرط إلا ما يخرج عن توصيات الملك التي تكون ملزمة وليس استشارية. فماهي
فعالية المجلس الحكومي في هده الحالة ما دام هو تا بع في كل مقتضياته حسب
الدستور للمجلس الوزاري؟
فعالية المجلس الحكومي تكون غير جدوى ما دام
أن الدستور وفق الفصل66 يلزم الحكومة على عرض كل ما يتعلق بالسياسة العامة
للبلاد وجل مشاريع القوانين على المجلس الوزاري قبل البث فيها. مما يجعل
المجلس الوزاري هو الأصل في تقرير سياسة البلاد والمجلس الحكومي في درجة
استثناء للقاعدة، وربما إدا أحسنا التقدير فهو مجلس يضم مجموعة من الموظفين
على رأسهم الوزير الأول الدي يلعب دور المنسق لهده الأخيرة التي تسهر على
تطبيق القرارات الصادرة عن المجلس الوزاري.
وهدا ما يؤدي بنا إلى الخروج
إلى نتيجة ليست بالقليل من الشبه للنتيجة التي خلصنا إليها في معرض حديثنا
عن مسألة التعيين الحكومي، بأن هناك تبعية تامة للحكومة للمؤسسة الملكية
فيما يرجع لتقرير سياسة البلاد وإصدار القرارات التي تهم معضم القضايا
الحساسة للدولة
n] المبحت التاني :علاقة الملك بالبرلمان.
بعد
أن تناولنا في المبحت السابق علاقة المؤسسة الملكية بالحكومة داخل النظام
السياسي المغربي، سنحاول في الالمحور التالي التعرض إلى طبيعة العلاقة التي
تربط المؤسسة الملكية بالبرلمان. وهي علاقة إذا لم نحرق المراحل بالبحث
والتحري لا تبتعد كثيرا عن المعادلة التي تربط بين المؤسسة الملكية
والحكومة كما تبيناه سابقا. ولعل ما يؤكد فرضيتنا هذه هي الصلاحيات
الدستورية الواسعة التي تجعل الملك المشرع الوحيد في مجال السلطة التشريعية
وذلك في حالة غياب البرلمان، بالإضافة إلى أحقية الملك في طلب قراءة جديدة
للقانون و إصدار الأمر بتنفيذ القانون واللجوء إلى الاستفتاء التشريعي،
وافتتاح الدورات التشريعية و إنهاء حياة البرلمان قبل نهاية ولايته
التشريعية والحلول محله في ذلك.فما هي النصوص الدستورية التي تخول للملك
هذه السلطات؟ و ما هو جدوى البرلمان في إطار هذه المعادلة؟
تعتبر
عملية إصدار القانون إجراء قانوني يأتي في آخر مراحل مسطرة التشريع وهو
الإجراء الذي بدونه لا يمكن للقانون أن يخرج إلى حيز الوجود، و" تخلف
الإصدار يجعل القانون ،قانونا غير دستوري من الناحية الشكلية وبالتالي يكون
في حكم العدم، والعدم لا ينتج أثرا قانونيا تجاه الكافة"، ويعتبر الإصدار
عملية لتدخل السلطة التنفيذية "الملك" في العملية التشريعية، فالطابع
الملكي عل القانون يعتبر عنصرا أساسيا وبه ينتهي المسار التشريعي منذ أن
كانت القاعدة القانونية مجرد فكرة تجسدت في شكل اقتراح.
ولما كانت
الدساتير السابقة عن دستور 1992 تنص في الفصل 26 على أن "الملك يصدر الأمر
بتنفيذ القانون" دون تحديد المدة التي ينبغي من خلالها إصدار الأمر بتنفيذ
القانون. وعدم تحديد المدة كان يسمح للملك أن يتحكم في العملية التشريعية
حيث لا يسمح بإخراج القانون إلى الوجود إلا حسب المدة التي يقدرها تلقاء
نفسه إلى درجة قد يمتنع منعا كليا على إخراج القانون إلى حيز التنفيذ، وهو
ما يؤكد على مدى التدخل المطلق الذي كان للملك في العملية التشريعية. بيد
أن دستور 1992 سوف يؤدي إلى نقلة نوعية إلى حد ما في هذا الباب، عندما حدد
المهلة التي يتوجب على الملك أن يصدر خلالها القانون. حيث يفيد الفصل 26
منه "يصدر الملك الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته
على الحكومة بعد تمام الموافقة عليه"، ونستشف من منطوق الفصل أن أجل
الإصدار أصبح محددا في 30 يوما، وهي مدة طويلة بالمقارنة مع الدستور
الفرنسي الذي حددها في مدة 15 يوما. وتعتبر مدة 30 يوما مدة تعطي للمك
هامشا ليس بالصغير من الحرية في إصدار القانون من عدمه وهذا ما يؤكد
المكانة التي يحتلها الملك في مواجهة البرلمان.
ورغم مستجدات دستور
1992 و1996 يطرح أستاد القانون الدستوري مصطفى قلوش "إشكالية تتعلق بالجزاء
المترتب عن عدم إصدار القانون في الأجل الذي حدده الدستور؟" ، فغياب
الجزاء يمكن مرة أحرى أن يعطي للملك الحرية المطلقة في إصدار القانون من
عدمه. بخلاف الدستور الفرنسي الذي نص صراحة على الإجراء المتبع في حالة عدم
إصار القانون في المدة الزمنية المحددة سالفا، حيث تنص المادة 59 من دستور
1958 على أنه في حالة عدم إصدار رئيس الجمهورية للقانون في المدة المحددة
يصدره رئيس الجمعية الوطنية" ولا حق للرئيس الجمهورية آن ذاك أن يعترض على
هذا الإجراء.
ويجيبنا الدكتور مصطفى قلوش " في حالة عدم صدور القانون في
المدة المحددة دون أن يكون هناك ما يبرر الـتأخير، فإن الحكومة تكون هي
المتحملة للمسؤولية أمام البرلمان وخاصة أن الدستور ينص في الفصل 61 على
مايلي: تعمل الحكومة على تنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول كما أن
الفصل 26 يقرر ضمنيا بأن الإحالة تكون من البرلمان إلى الحكومة بعد تمام
الموافقة عليه. استنادا إلى ما ورد في الفصلين السابقين يمكن للبرلمان أن
يستفسر الوزير الأول عن سبب عد صدور القانون وظهوره إلى حيز الوجود". وإلا
لن يكون هناك معنا للإضافة التي جاء بها دستور 1996 فالجزاء هنا يجب أن
يكون حائلا والبرلمان الذي افتراضا هو صاحب السلطة التشريعية عليه أن يتدخل
بالاستقصاء والسؤال عن مآل القوانين التي قدمها للحكومة من أجل النظر
فيها، والتي بدورها ملزمة بمناقشتها بالمجلس الوزاري.
وإذا كانت عملية
الإصدار تبرز بشكل لا يدع مجال للشك قوة حظور الملك في عملية التشريع، فحق
طلب القراءة الجديدة الذي يخوله الفصل 67 للمك، والذي يعتبر بمثابة سلطة
تمكن رئيس الدولة من إيقاف القانون الذي وافق عليه البرلمان. وهو حق يستعمل
بعد موافقة البرلمان على القانون ثم يحال بعد ذلك على رئيس الدولة من أجل
إصداره.
ووقت استعمال هذا الحق الذي يطلق عليه "حق الاعتراض أو طلب
القراءة الثانية أو طلب القراءة الجديدة فإن الأثر المترتب عنه هو إيقاف
القانون الذي وافق عليه البرلمان، الأمر الذي يجعل من ممارسة حق الاعتراض
عقبة تحول دون ميلاد القانون".
وحسب الفصل 67 من الدستور المغربي لسنة
1996 يتولى الملك الحق المطلق في استعمال صلاحية طلب قراءة جديدة للقانون
وذلك بعد مصادقة البرلمان على مشروع أو اقتراح قانون قد يتبين للملك أن
القانون الذي بين يديه تشوبه شائبة، فيتدخل ليطلب من البرلمان إعادة النظر
في القانون الذي صوت عليه، وليس من حق البرلمان أن يرفض طلبه.
وقد يكون
حق الاعتراض هذا حقا مطلقا وقد يكون نسبيالإ ففي الحالة الأولى يترتب عنها
قبر المشروع إقبرا لا رجعة فيه، ولو بإعادة النظر في القانون من طرف
البرلمان وتمت الموافقة عليه بالإجماع، أما الاعتراض الثاني النسبي يمكن
للبرلمات التغلب عليه عن طريق الموافقة عليه وفق الشروط التي حددها
القانون. والفرق بين الاعتراضين هو أن الاعتراض المطلق يعتبرا "حقا تشريعيا
يمارسه رئيس الدولة باعنباره عضورا في السلطة التشريعية، بينما الثاني
يعتبر حقا تنفيذيا يمارسه رئيس الدولة وينصب على تنفيذ القانون ريثما تعاد
دراسته مرة أحرى على ضوء إعتراضات وملاحظات رئيس الدولة".
ونافلة القول
أن حق الاعتراض على القانون هو عمل يؤكد أحقية الملك في المشاركة في
العملية التشريعية إلى جانب البرلمان، إذ إرجاع النص إلى البرلمان واشتراط
أغلبية معينة من الأصوات تشكل معارضة حقيقية لتعبير النزاب التي تلزم
القانون المعترض عليه، الأمر الذي سيشعرهم من جديد بمسؤولياتهم أمام رئيس
الدولة ويجعلهم مضطرين إلى إعادة النظر من جديد في القانون محل الاعتراض.
وهذا ما يؤكد فرضيتنا مرة أخرى التي تفيد بتبعية البرلمان من خلال وظيفته الرئيسية المتمثلة في التشريع إلى متولي سدة الحكم بالبلاد.
ومن
الحقوق الأخرى التي تترك للمك حيزا ليس بالصغير من أجل المشاركة في
العملية التشريعية، إما بشكل مباشر كعرض القانون على الاستفتاء، أو غير
مباشر عن طريق افتتاح الدورات التشريعية ومخاطبة البرلمان.
فحق ممارسة
الاستفتاء الذي يخوله الدستور المغربي للملك الذي لا يحق لأي جهاز آخر
ممارسته، والذي يبقي للملك السلطة التقديرية في هذا المجال باعتبار أن
تقييم نطاق ومجال ممارسة هذا الحق في الأول والأخير يعود إليه، وهو حق يمنح
للملك سلطة تجاوز البرلمان وعرض مشروع أو اقتراح قانون على الاستفتاء
"ويعد هذا الاختصاص ذي فعالية كبرى في ردع البرلمان عن إقرار تضريعات لا
تساير الاختيارات الملكية أو رفض تشريعات مبلورة لسياسة ملكية، ذلك أن
موافقة الشعب على مشروع قانون رفضه البرلمان ينجم عنها حل مجلس النواب بصفة
أوتومتايكية".
وعملية الاستفتاء هي وسيلة قانونية يلجا إليها رئيس
الدولة لاستفتاء شعبه عن أمور هامة في حياة الدولةن فهو وسيلة ربط مباشرة
تمكنه من اللجوء إلى التحكيم الشعبي، الذي يبقى ملزما للجميع.
وقد نص
الفصل 69 من الدستور امغربي أن "للمك أن يستفتي شعبه بمقتضى ظهير شريف في
شأن كل مشروع أو اقتراح قانون، بعد أن يكون المشروع أو الاقتراح قد قرأ
قراءة جديدةن اللهم إلا إذا كان نص المشروع قد أقر أو رفض في كلا المجلسين
بعد قراءته قراءة جديدة بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم". ويعتبر حق
الاستفتاء حق ملكي محض يلجا إليه في الوقت الذي يشاء سواء كان أثناء
الدورات البرلمانية أو خارجها، ولا يتقيد الملك في هذا الباب بأي مساطر من
شأنها أن تسمح بالتثبت من السلامة القانونية للعملية.
كما
يزمع الدستور المغربي على منح الملك حق توجيه خطاب إلى البرلمان مع افتتاح
كل دورة تشريعية، حيث نص الفصل 28 على أن " للملك أن يخاطب الأمة والبرلمان
ويتلي خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش".
وهو حق يمارسه الملك في أي وقت في أي وقت يرى فيه أن الدواعي تستوجب إخبار
الأمة والبرلمان بحقائق الأمور، أوما يجب على البرلمان اتخاذه من تشريعات
في مجال من المجالات.
وتبقى القيمة التي يملكها خطاب رئيس الدولة في مثل
هذه الحالات قيمة مؤثرة يجب أن يؤخذ بها في المجال التشريعي نظرا لأهميتها
ويتم تحويلها إلى نصوص قانونية من طرف البرلمان.
فالخطاب الملكي الموجه
إلى ممثلي الأمة يكون في الغالب الأعم بمثابة البرنامج التشريعي التي
سينهجه المجلسين خلال الدورة التشريعية. فما يتضمنه الخطاب الملكي يتوجب
على البرلمان أن يجسدها في شكل قوانين استنادا إلى الفصل 28. وهذا الفهم
يؤدي بنا مباشرة إلى القول بأن البرلمان في هذه الحالة يعتبر ناقدا لأهم
وظيفة يمارسها وهي التصويت على القوانين إما بالقبول أو الرفض. وهذا الفهم
هو الذي ذهب في إتجاهه مجموعة من الباحثين، الذين يعتبرون الخطاب الملكي هو
دعوة للمجلس ليتخذ قرارا ونصا تشريعيا دون أي نقاش ودون أي تصويت.
وبعد
تفحصنا للخطب الملكية الموجهة للبرلمان لا حظنا أن معظمها انطوت على
توجيهات في الميدان التشريعي أو أمو تهم المجال الاجتماعي والاقتصادي،
وارتكزت خصوصا على الأولويات والقطاعات التي ترى من الواجب الاهتمام بها
والالتفاف إليها.
وتأسيسا على ما سبق يعتبر "الخطاب الموجه للبرلمان من
أهم الآليات التي يملكها رئيس الدولة والتي بموجبها يساهم في توجيه العمل
التشريعي، وتكمن هذه الأهمية فيما يتضمنه هذا الخطاب من تعاليم وتوجيهات
يتم الاستئناس بها في سن النصوص الانونية.
بالإضافة لهذا الإطار الضيق
الذي يمارس من خلاله البرلمان الوظيفة التشريعية كما أبرزناه سابقا، فإن
البرلمان قد يحرم حرمانا تاما من ممارسة هذه الوظيفة. كحالة حل البرلمان،
أوحين دخول البلاد في حالة الاستثناء، بالإضافة إلى الفترة المابين
ولايتين. فكيف يتجلى ذلك؟
تتجلى أبرز التبريرات فيما يرجع لحل البرلمان
إلى الحلول دون استبداد هذا الأخير وتعنته خاصة عندما يؤدي ذلك إلى عدم
الاستقرار السياسي، ويعرف هذا الحق بأنه إنهاء الولاية التشريعية للبرلمان
قبلنهاية المدة التي حددها له الدستور.
وحق الحل هذا يوجد بيد الملك حسب
الفصل 27 ، حيث يقوي مركزه تجاه البرلمان حينما يلاحظ تعنت أصبح يطفو على
عمل هذا الأخير. وللملك أن يحل المجلسين معا أو أحدهما بشكل فردي، كما أن
الملك لا يستطيع حل البرلمان كما هو منصوص عليه في الفصل 35 في حالة
الاستثناء.
ويقع انتخاب البرلمان الجديد أو المجلس الجديد في ظرف ثلاثة
أشهر على الأكثر بعد تاريخ الحل ف72، وتبقى وظيفة التشريع في هذه الفترة
بيد الملك.
و إن كان في حالة التي يتم الاعلان فيها على حالة الاستثناء
لا يتم حل البرلمان ف35، إلا أن العمل الوظيفي لهذا الأخير يحد ويجمد طيلة
فترة الاستثناء. ذلك أن الملك يستأثر بجميع السلطات التي خولها الدستور لكل
سلطة.فالعمل بمضمون الفصل 35 يعني أن رئيس الدولة بمفرده هو المستحوذ على
جميع الاختصاصات وصاحب الحق الوحيد في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة
الأمور إلى أوضاعها الطبيعية ما لم يقرر الملك خلاف ذلك، حيث التقدير في
هذا الشأن يكون بيده.
على سبيل الختم
أما بعد أن أجملنا
القول حول اشكالية علاقة المؤسسة الملكية بالحكومة والبرلمان يمكن أن نخلص
من خلال جولاتنا حول بنيات وحياض ذات الإشكال، إلى الفرضية التي وضعناها
كأساس لمنطلقنا في هذه الدراسة. وهي لاختصار المسافات، سمو المؤسسة الملكية
في علاقاتها مع المؤسسات الأخرى. وقد بررنا هذه الأرجحية منخلال معظم
المحاور والمداخل التي تطرقنا إليها داخل المجال التداولي للموضوع. الذي
يبرز بأن الملك يعتبر مركز كل السلطات بحكم صلاحيته الواسعة التي تدخل في
اختصاص السلط الأخرى والتي يضمنها له الدستور حق ضمانه.هذا ما دفعنا إلى
الحديث ليس عن توازن السلطات في لإطار المؤسسة الملكية بقدر الحديث عن
مجالات تدخل المؤسسة الملكية في اختصاصات المؤسسات الأخرى. باعتبارها مؤسسة
فوق السلطات.
فأين يتجلى سند المؤسسة الملكية من خلال المكانة المركزية
التي يحتلها داخل النسق الدستوري والسياسي المغربي؟ ما الذي يبرر للملك
بأن يكون الموجه الفعلي للسياسة العامة للبلاد؟ والمتحكم الحقيقي في المشهد
السياسي؟ والمحدد ـ الإطار الذي تدور في فلكه باقي المؤسسات الأخرى؟
أسئلة فيها نظر....
أسئلة تحتاج إلى إطارات نمطية ونظرية أخرى تشفي الغليل في معالجتها...
الكاتب :عبدالاله سطي
الحوار المتمدن - العدد: 1884 - 2007 / 4 / 13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي